الاثنين، 11 يونيو 2012

تفسير سورة الفلق


قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)



الفلق : أصله شق الشئ عن الشئ ، وفصل بعض عن بعض ، والمراد به هنا : الصبح ، وسمى فلقا لإِنفلاق الليل وانشقاقه عنه ، كما فى قوله - تعالى - : { فَالِقُ الإصباح } أى : شاقٌّ ظلمة آخر الليل عن بياض الفجر . . ويصح أن يكون المراد به ، كل ما يفلقه الله - تعالى - من مخلوقات كالأرض التى تنفلق عن النبات ، والجبال التى تنفلق عن عيون الماء . . أى : قل - أيها الرسول الكريم - أعوذ وأستجير وأعتصم ، بالله - تعالى - الذى فلق الليل ، فانشق عنه الصباح ، والذى هو رب جميع الكائنات ، ومبدع كل المخلوقات . . قل أعوذ بهذا الرب العظيم { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } أى : من شر كل ذى شر من المخلوقات ، لأنه لا عاصم من شرها إلا خالقها - عز وجل - إذ هو المالك لها ، والمتصرف فى أمرها ، والقابض على ناصيتها ، والقادر على تبديل أحوالها ، وتغيير شئونها . ثم قال - تعالى - : { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } والغاسق : الليل عندما يشتد ظلامه ، ومنه قوله - تعالى - : { أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشمس إلى غَسَقِ الليل . . . } أى : إلى ظلامه . وقوله : { وقب } من الوقوب ، وهو الدخول ، يقال : وقبت الشمس إذا غابت وتوارت فى الأفق . أى : وقل أعوذ به - تعالى - من شر الليل إذا اشتد ظلامه ، وأسدل ستاره على كل شئ واختفى تحت جنحه ما كان ظاهرا . ومن شأن الليل عندما يكون كذلك ، أن يكون مخيفا مرعبا ، لأن الإِنسان لا يتبين ما استتر تحته من أعداء . ثم قال - سبحانه - : { وَمِن شَرِّ النفاثات فِي العقد } وأصل النفاثات جمع نفَّاثَة ، وهذا اللفظ صيغة مبالغة من النَّفث ، وهو النفخ مع ريق قليل يخرج من الفم . والعُقَد : جمع عُقْدة من العَقْدِ الذى هو ضد الحل ، وهى اسم لكل ما ربط وأحكم ربطه . والمراد بالنفاثات فى العقد : النساء السواحر ، اللائى يعقدن عقدا فى خيوط وينفثن عليها من أجل السحر . وجئ بصيغة التأنيث فى لفظ " النفاثات " لأن معظم السحرة كن من النساء . ويصح أن يكون النفاثات صفة للنفوس التى تفعل ذلك ، فيكون هذا اللفظ شاملا للذكور والإِناث . وقيل المراد بالنفاثات فى العقد : النمامون الذين يسعون بين الناس والفساد ، فيقطعون بما أمر الله به أن يوصل . . وعلى ذلك تكون فى " النفاثة " للمبالغة كعلامة وفهامة ، وليست للتأنيث . أى : وقل - أيضا - أستجير بالله - تعالى - من شرور السحرة والنمامين ، ومن كل الذين يفسدون فى الأرض ولا يصلحون . ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بقوله : { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } أى إذا ظهر ما فى نفسه من الحسد وعمل بمقتضاه بترتيب مقدمات الشر ، ومبادى الأضرار بالمحسود قولا وفعلا . 


. وقد نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن الحسد فى أحاديث كثيرة منها قوله : " لا تباغضوا ولا تحاسدوا . . " . ومنها قوله : " إياكم والحسد فإنه يأكل الحسنات ، كما تأكل النار الحطب " . هذا ، وقد تكلم العلماء كلاما طويلا عند تفسيرهم لقوله - تعالى - : { وَمِن شَرِّ النفاثات فِي العقد } عن السحر ، فمنهم من ذهب إلى أنه لا حقيقة له وإنما هو تخييل وتمويه . . وجمهورهم على إثباته ، وأن له آثارا حقيقية ، وأن الساحر قد يأتى بأشياء غير عادية ، إلا أن الفاعل الحقيقى فى كل ذلك هو الله - تعالى - . وقد بسطنا القول فى هذه المسألة عند تفسيرنا لقوله - تعالى - فى سورة البقرة : { واتبعوا مَا تَتْلُواْ الشياطين على مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ ولكن الشياطين كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ الناس السحر . . . } نسأل الله - تعالى - أن يعيذنا من شرار خلقه . . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق